واقع المقاولة الصحفية والإعلامية بين تلبية تطلعات القارئ و الاستفادة من مداخيل الإعلانات
✍️ عبدالعالي حسون
المقاولة الصحفية تمزج بين المشروع الصحفي الذي يهدف إلى إيصال الخبر و المعلومة إلى الجمهور و بين الرؤية التجارية الناجحة التي تسعى إلى الحفاظ على القارئ من خلال الإشتغال وفق قواعد تنظيمة محددة التي تؤطر عمل المقاولات المهيكلة – في أغلبها –
و خصوصية عملها أن منتوجها غير قابل للتخزين و سريع الكساد، تنتهي صلاحياته بتقادم الخبر في ظل ضعف المقروئية و صعوبة الوصول إلى المعلومة.
و تعتمد صناعة الصحافة أساساً على إبداع العنصر البشري ، حيث يتزاوج الفكر مع المادة الخام ليقدم في النهاية هذا المنتج الذي يسمى الصحيفة و يلعب الصحفي أدواراً عدة أولها التحقيق الصحفي في القضايا التي تهم المجتمع و تحليل القضايا المعقدة و مناقشة السياسة العامة .
يتجلى التناقض في واقع اجتماعي معقد، حيث ما أن يظهر نجم أحد الفعاليات، وكأنه رمز للتفرد والإبداع، إلا ويتفاجأ في الوقت نفسه، بخروج الدبابير من جحورها، لتعريضه لجملة من اللسعات، في إطار السعي إلى إعاقة تطوره عبر موجات من الوخز الهدّام، وصياغة وترويج الإشاعات، بل ربما تصل إلى الاتهامات الكيدية التي تفتقر إلى الأساس المنطقي والروح والفلسفة القانونيتين.
في هذا الزمن، لم يعد الكسل مشكلتنا، بل الجدية. فالإنسان الجاد بات خطراً، لأنه يُفسد المزاج العام للقوم، يقطع حبل التهاون الجماعي، يوقظ النائمين وهم لا يحبون أن يُوقظهم أحد.
من يشتغل بضمير، يُتّهم أحيانا بالخيانة، ومن يتقن عمله، يُتهم بالتمرد على ” النظام ” ، ومن يملك الجرأة على قول الحقيقة، يُتّهم بإفساد اللحظة، أو بكشف ما يُفترض أن يظل مغطى تحت أوراق الحياد الزائد.
الحقائق التي يُدلي بها لا تُناقش، بل يُناقش هو. تُفتش نواياه، ويُسحب منه رخصة الإقناع لأنه… مزعج. لا أحد يحب المزعجين، خصوصًا حين لا يصرخون ولا يشتمون، بل يشتغلون فقط. وهذا أسوأ أنواع ” الإزعاج” .
في مجتمع باتت فيه المجاملة ديناً، والتوسط ذكاء، والتحايل حرفة، تبدو الجدية فعلاً عدوانيًا. تهمة بلا ملف، لكنها تهمة لصاحبها.
يُقال عنه إنه لا يساير، لا يلين، لا ” يعرف من أين تُؤكل الكتف “… وكأن النجاح لا يليق إلا بالذي يتنازل أو ينحني قليلاً ليجتاز عتبة المرحلة.
الوظيفة العمومية من بينها الصحافة تضيق بالجاد لأنه يُفسد العطالة الاختيارية، والقطاع الخاص يرفضه لأنه لا يُجيد التملق للرؤساء، والمجتمع ينبذه لأنه لا يعرف المجاملة على حساب المبدأ. وحدها غرفه الضيقة تعرف كم مرة تمنى لو كذب، فقط ليرتاح.
هذا الحصار لا يُرى، لكنه محسوس إقصاء الإعلانات ، سحب الإشهار ، تشويه في الكواليس، همسات في الممرات، واتهامات مغلفة لا تُكتب ولكن تُفهم.
ورغم كل ذلك، يستمر. ليس لأنه يظن أن الجدية ستُكافأ، بل لأنه لا يعرف غيرها. هو لا يملك زر ” الخداع ” ، ولا يتقن لُعبة ” التكيف ” ، ولا يضع القيم في جيب معطفه يخرجها حسب الطقس.
لازالت المقاولة الصحفية تواجه مشكلة التوازن بين تقديم منتوج صحفي يلبي تطلعات القارئ و يقدم في الوقت ذاته رسالة إعلامية إجتماعية نبيلة، وبين الإستفادة من مداخيل الإعلانات بشكل أفضل يضمن لها التطور و الإستمارية.
								التيارموقع مغربي إخباري شامل  يتجدد على مدار الساعة
							





